فتحت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لروسيا الباب أمام صفحة جديدة في ملف الأزمة السورية. إسرائيل سارعت قبل غيرها، إلى اعتبار الزيارة «حصانة روسية» للرئيس السوري. وهو جوهر ما يريد الغرب وحلفاؤه العرب التثبت منه في لقاءات الساعات المقبلة مع المسؤولين الروس.
لكن الجمهور العريض المؤيد أو المعارض للأسد، سوف يستهلك وقتاً طويلاً في تحليل أبعاد هذه الزيارة، بينما يسعى المترددون إلى استكشاف الخطوة لناحية أنها تصب في سياق تعزيز فرص الحل السياسي أو توسيع دائرة الحرب. علماً بأن أكثر من يعيش هاجس تطور التدخل الروسي في الأزمة السورية، هو الغرب ومعه دول من الخليج العربي وتركيا. وهؤلاء لا يسعهم حتى اللحظة الإحاطة بكل الخطوات الروسية، مع ما تحمله من مفاجآت في السياسة والميدان أيضاً.
نتائج سياسية
إلا أن زيارة الأسد لم تكن خارج سياق البناء السياسي والعسكري الاستراتيجي الذي تحتل فيه موسكو مكاناً بارزاً. وهي لم تكن ذات تأثير أكبر، لو أنها حصلت قبل مباشرة الجيش الروسي عملياته في سوريا. وهي في لحظتها الراهنة، تعكس قرار تثبيت التحالف القائم بين دمشق وحلفائها الإقليميين والدوليين، وهو تحالف يستهدف أساساً حماية الدولة السورية ومساعدة جيشها، ثم يستهدف خلق مناخات جديدة تتيح، لو قبل الطرف الآخر، الذهاب نحو حل سياسي واقعي، يقوم على حقائق اللحظة، وليس على بيانات وتصورات ما سبق من سنوات.
نتائج زيارة الأسد، سيحملها وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى اجتماعه مع نظرائه من الولايات المتحدة وتركيا والسعودية. وهو سيعيد التأكيد أن قرار موسكو استراتيجي في دعم الدولة السورية، وأن أي حل سياسي، يجب أن ينطلق من ثوابت قائمة، أبرزها إقرار الطرف الآخر بأولوية مكافحة الإرهاب على أي أمر آخر، وهو ما سيجعل البحث في تفاصيل الملف السياسي غير ممكنة الآن. وما يجعل لافروف غير مضطر إلى إعادة القول بأن الرئيس الأسد هو رئيس سوريا حتى انتهاء ولايته. وهو الطرف الذي يجب التحدث معه لأجل مكافحة الإرهاب في سوريا. وبالتالي، لا يجب توقع خطوات خاصة سياسياً، لأن الأطراف كافة، تواصل صرف جهدها على الأرض، حيث للميدان الكلمة الفصل، ولا سيما أن موسكو كانت صريحة بما أعلنه الناطق باسم الكرملين من أن التسوية السياسية تنطلق بعد الانتهاء من مكافحة الإرهاب.
وفي هذا الجانب، سيكون ملف مواجهة موحدة تنظيم «داعش» في سوريا والعراق عنواناً لاختبار حجم استعداد الغرب وحلفائه للمضي في معركة فعالة، لأن الوقائع الميدانية، تتطلب عمليات منسقة على جانبي الحدود بين العرق وسوريا. وهنا، يظهر حلفاء واشنطن التردد، بذريعة أن النظام في دمشق، والحكم الحليف له في بغداد، سيحصدان أي نتائج ميدانية أو سياسية لضرب الإرهاب. وهو أمر يهم روسيا كثيراً، لأنها وإن وضعت مع إيران استراتيجية مستقلة لمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا، إلا أنها لا تمانع قيام شراكة مع التحالف الدولي، بالرغم من تلمس موسكو وطهران قرار الولايات المتحدة التقدم خطوات إضافية للاستيلاء على السلطة السياسية في العراق، وضمن سياق جعل العمليات الميدانية في الغرب العراقي تجري حصراً تحت إشراف أميركي، لمنع استثمار نتائجها من جانب النظام في سوريا. ومع الأسف، يظهر أن في بغداد اليوم، من يعاون واشنطن والغرب، وهو رئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي يغامر في خطوة التبعية للاحتلال الأميركي، برغم إداركه الجيد، أن تحقيق «حلم الغرب» دونه المزيد من الحروب الأهليّة والإقليميّة في العراق.
نتائج ميدانية
ربما من المفيد الأخذ بالاعتبار، أن القيادة الروسية، تثبتت على أرض الواقع من صحة التقديرات التي تشاركتها مع ايران، حول عجز المحور الآخر عن القيام بعمل خارق في مواجهة رفع مستوى التنسيق ضد المجموعات المسلحة من قبل التحالف الرباعي. بل يظهر في كل يوم، أن موسكو في صدد تعزيز حضورها ودعمها كمّاً ونوعاً. لذلك، من المتوقع أن يزور دمشق قريباً جداً، مسؤولون روس من مستويات رفعية جداً، ويرجّح أن يكون هؤلاء من الجناح العسكري لموسكو، وستكون مهمتهم، ليس تفقد القوات الروسية العاملة في سوريا فقط، بل الوقوف على حاجات هذه القوات، وعلى حاجات الجيش السوري للقيام بعمليات برية ناجحة، تحاكي ما يُنجَز من خلال الحملة الجوية للطيران الروسي. وهي زيارة، تترافق مع لقاءات مستمرة، وإن بعيداً عن الإعلام، بمشاركة الطرف الثالث المركزي في الساحة السورية، المتمثل بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
كذلك، يبدو أن موسكو حسمت قرارها بفتح مخازنها العسكرية، لتوفير كل ما تحتاجه المعركة ضد الإرهاب في سوريا. وهذا يعني أننا سنكون أمام مرحلة تعزيز سلاح الجو الروسي، سواء لناحية المقاتلات الحربية بمختلف أنواعها، وما يلازم هذه الخطوة من تزويدها بالذخائر المناسبة لمواجهة مقرات وقواعد ومخازن السلاح للمجموعات المسلحة. أو لناحية المروحيات القتالية، التي يفترض أن تلعب دوراً أساسياً في مواكبة مباشرة لكل العمليات البرية التي ستكون أمام مستوى جديد في وقت قريب. خصوصاً أن المعلومات تؤكد جاهزية وحدات جديدة جرى تجهزيها خلال الشهرين الماضيين، لتولي مهمات عسكرية هجومية، وهو ما يترافق مع تعزيز حلفاء دمشق في لبنان والعراق وإيران، الحضور المباشر لقواتهم البرية.
الأمر الثالث، يتعلق، بعملية إعادة ترميم الجيش السوري، ومعالجة الثُّغَر التي قامت بسبب الحرب الكبيرة التي تشن ضده منذ انطلاقة الأزمة. وهي عملية تأخذ جوانب عديدة، بينها ما يتعلق بهيكلية الجيش التي تتناسب وطبيعة المعارك المقبلة، وما يتعلق بإعداد وحدات نخبوية للاقتحام، وتعزيز قوات التثبيت، مع ما يتطلب ذلك، من توفير دعم لوجستي ضخم، لناحية العدة والأسلحة والذخائر، ورفع مستوى التدريب في الجانب الاستخباراتي الذي يلعب في جبهة الشمال الحالية دوراً مركزياً في مواجهة المجموعات المسلحة.